جدول المحتويات
توصيات البحث واحدة من المحطات البحثية الرئيسة، بل ومن دونها كان البحث العلمي حبرًا على ورق، ومضيعة للوقت والجهد والمال؛ فالأصل في الدراسات العلمية تطوير المجتمعات عبر لفت الأنظار إلى حلول ومقترحات من شأنها عند التطبيق حل المشكلة المرتبطة بموضوع الدراسة، والتي تم تناولها بالفحص والبحث، حتى وإن لم يكن الحل كليًا؛ فبالضرورة حلًا جزئيًا للإشكالية أو المعضلة التي بحثت، فكم من دراسات وأبحاث عرضت المشكلات بطريقة صحيحة ووافية، ولكنها فشلت في العلاج، إما لإغفال الإشارة إلى توصيات ومقترحات واقعية التنفيذ، أو لتقديمها توصيات وحلول غير منطقية على الإطلاق، وهو ما يقدح من ناحية أخرى في قدرة الباحث على التفكير والابتكار والنقد.
ما هي توصيات البحث؟
ما هي توصيات البحث؟ هذا هو السؤال المحوري الذي من دون العلم بإجابتها لن تصاغ توصيات البحث العلمي على النحو الصحيح والواقعي القابل للتنفيذ، لأن العلم ماهية الشيء سبيل من سبل تحقيقه بامتياز. توصيات البحث هي مجموعة الحلول والمهام الإجرائية التي يرها الباحث من وجهة نظره كفيلة بالقضاء على المشكلة تمامًا، أو على جزء منها على الأقل، وتلك الحلول الواقعية وليدة النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال عمله على المشكلة وفحصه لكل جانب من جوانبها.
من هنا تختلف منهجية وطريقة كتابة توصيات البحث من باحث لآخر ومن موضوع لآخر، نظرًا لأن الخلفية العلمية والعملية المكتسبة من إجراء البحث تتدخل في صميم تخطيط واستعراض توصيات البحث وحلوله لعلاج الإشكالية التي تمت مناقشتها، وليس ذلك فحسب، بل كذلك واقع مجتمع الدراسة، أو بالأحرى واقع المشكلة التي تمت دراستها، لأن اختلاف المجتمعات يتبعه بالضرورة اختلاف في الحلو المقترحة القابلة للتنفيذ، فما ينفع المجتمع الأوروبي من توصيات ليس بالضرورة يتلائم مع المجتمع العربي، لا سيما في العلوم الاجتماعية والنفسية والثقافية، وإن لم تنسحب تلك القاعدة على العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء، وغيرها.
كيف اكتب توصيات البحث العلمي؟
مع شديد الأسف، هناك خلط عند الكثير من الباحثين بين خاتمة البحث وبين توصيات البحث حتى إن البعض يضمن هذه في تلك، علمًا بأن لكل منهما ماهيته وطريقته في الكتابة.
فالخاتمة؛ وإن كانت تأتي في نهاية البحث العلمي مثلها مثل التوصيات تمامًا، إلا أنها سردية موجزة تعبر عن مجمل ما جاء في البحث العلمي، مع التركيز على ما قابله الباحث من معوقات ومشكلات أثناء العمل، والتأكيد على ما بذل من مجهودات لتفادي تلك المعوقات كي يظهر البحث على تلك الهيئة وعلى هذه الصورة، فضلًا عن أنها لا يجب أن تزيد على الصفحة الواحدة، وأن تتشابه في طريقتها مع طريقة المقدمة.
في حين أن توصيات البحث شيء مختلف تمامًا عما سبق، فهي ذات مكانة علمية وعملية أكبر عند مقارنتها بالخاتمة، كما أنها تعبير واضح عن رغبة الباحث في مشاركة مجتمعه القضاء على المشكلة محل الدراسة، ومن ثم إبراز مساهمته في تطوير وتنمية هذا المجتمع، وكذلك تلعب توصيات البحث دورًا في غبراز قدرة الباحث على التفكير والإبداع وتخليق الأفكار الجديدة، على نحو لم يسبقه أحد إليه، أو بالصورة التي يثبت معها عجز الآخرون عن حل المشكلة، أو على الأقل عدم ملاءمة ما ساقوه من حلول بفعل المتغيرات التي طرأت على المشكلة نفسه، وعلى المجتمع بشكل عام.
من ذلك نجد أن الأنسب صياغةً في كتابة توصيات البحث هو الإشارة إلى أنه وفق ما توصل إليه الباحث من نتائج؛ فإنه يقوم بوضع الحلول والمقترحات... ثم يشرع في سردها في شكل بنود مرتبة ترتيبًا منطقيًا يتماشى مع ترتيب تساؤلات البحث أو فرضيات البحث إن أمكن، وعليه لا حدود لعدد الصفحات هنا كما هو الحال مع الخاتمة، وإن كان من المفضل عدم الزيادة على ثلاث صفحات، والأهم من هذا كله أن تكون توصيات البحث واقعية قابلة للتنفيذ، لا مجرد كلام إنشائي منمق لا طائل منه.
كيفية كتابة توصيات البحث
كيفية كتابة توصيات البحث الصحيحة لا بد أن ترتكز على العلم الكامل بأهمية التوصيات البحثية مجتمعيًا وأكاديميًا، أي بمعنى أن توصيات البحث ومقترحاته وسيلة فعالة في بناء قواعد بحثية جديدة لباحثين آخرين، فضلًا عن أنها وسائل لحل المشكلة كما ذكرنا، وما إن يعلم الباحث بتلك الأهمية حتى يتسنى له كتابة توصيات تتبع الشروط والأحكام الأكاديمية المتعارف عليها. وإذا ما آثرنا المساعدة في توضيح كيفية كتابة توصيات البحث العلمي؛ فإننا أمام العديد من نماذج توصيات البحث التي يمكن لأي باحث أن يستعين بها في عمله، المهم أن يضع بنفسه لمساته الابتكارية على تلك التوصيات والمقترحات لكي يعبر بحثه العلمي عن جديد في مجال التخصص وفي الإشكالية التي تتم مناقشتها.
ولنضرب مثالًا على نماذج توصيات البحث للتوضيح، من الضروري أن تبدأ توصيات البحث العلمي، سواءً أكانت توصيات البحث بالعربية أو توصيات البحث بالإنجليزي بالتأكيد أن الحلول التي ستذكر الآن هي عصارة أفرزتها دراسة مشكلة للفترة الزمنية التي حددت في محددات البحث، أو في النطاق الجغرافي، أو في مجتمع العينة البحثية، بذلك يكون الباحث أكد أن تلك الحلول نابعة من قلب المشكلة، وصادرة عن فحص دقيق لكل محددات الدراسة، ولهذا يرى نجاعة تلك الحلول والتوصيات في حلحلة المشكلة كليًا أو جزئيًا، لأنها حلول قابلة للتطبيق، وتم اختبارها جزئيًا أثناء العمل على البحث.
معايير توصيات البحث
إذًا، توصيات البحث تحكمها معايير حتى تظهر على الصورة الأكمل والأوثق عند صناع القرار والمنوط بهم تنفيذها على أرض الواقع، منها مثلًا:
الكمال والتكامل
فمن الضروري أن تشمل توصيات البحث كل جوانب المشكلة، وألا تركز على جانب منها دون جوانب أخرى، وليس معنى ذلك أن التوصيات مسؤولة عن حلها كليًا في المجتمع، بل قد يحدث ذلك، وقد تحلها جزئيًا فقط، ولكن المقصود بالكامل، هو كمال عرض حلول لكل جوانب وأبعاد مشكلة الدراسة، أما مساهمة المعروض هذا في الحل فهذا شيء آخر.
هذا بالنسبة للكمال، بينما التكامل؛ فمقصوده علاقة توصيات البحث ببعضها البعض، بأن تكمل بعضها بعضًا، وإلا كانت ضربًا في كل اتجاه لا طائل منه، بل وأفضل توصيات البحث العلمي هي تلك التي ينبني فيها البند على ما سبقه من بند/ بنود. ثم إن للتكامل وجه آخر، وهو تكامل علاقة توصيات البحث هذه بنتائج البحث، حتى لا يحدث حيد أو خروج عن إطار البحث، فمن يناقش بحثه مشكلة الانفجار السكاني لا يجوز له تقديم توصيات لعلاج مشكلة الطلاق مثلًا، ومن الصبغة التكاملية أيضًا إسهام التوصيات في علاج المشكلة من جذورها، وليس الاكتفاء بمسكنات أو علاجات شكلية في حين تظل المشكلة باقية تبث آثارها السلبية في المجتمع.
المباشرة والوضوح
طالما اتفقنا أن توصيات البحث عبارة عن خطوات عملية ستطبق على أرض الواقع؛ فوجب بعدها عن التعبيرات المجازية غير المفهومة أو التي تحتمل معاني كثيرة أو الغريبة المصطلحات، فإن لم تكن مباشرة وواضحة (افعل ولا تفعل) كيف لصانع القرار والسادة التنفيذيين تطبيقها، زد على ذلك اشتمال هذا الوضوح على ما يؤكد إمكانية تطبيقها على أرض الواقع في المجتمع محل الدراسة.
الموضوعية
لا مجال للتحيز في حل المشكلات، فالموضوعية والاستناد إلى الأدلة والقرائن أهم عوامل البحث العلمي الجيد في كل مراحله، وتتأكد تلك الأهمية في توصيات البحث ومقترحات الحلول المقدمة، فالأمر هنا بناءً على واقع ملموس وحقائق مؤكدة، لا على رغبة الباحث أو تفضيلاته أو هواه.