تصحيح إملائي الوصول إلى مرحلة أو عملية تصحيح إملائي للبحث العلمي يعني أن البحث أو الدراسة قد باتت في المنعطف الأخير، وقد صارت في نهاية المسار اتجاهًا نحو التقييم الأكاديمي
وعلى الرغم اقتراب النهاية، إلا أن عملية تصحيح إملائي لكل كلمة في البحث العلمي لا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، بل هي مرحلة أصيلة من مراحل البحث، لا تهدف إلى تحسين
وتجميل الشكل النهائي فقط، بل تستهدف أيضًا التأكد من أن الأفكار والمعلومات الواردة في البحث/ الدراسة قد صيغت بالأسلوب الصحيح المثالي، لكي يصل فحواها وتصل معانيها إلى القارئ
بدقة ومن دون أي التباس. الوصف الشارح لإجراءات عملية تصحيح إملائي يشير إلى أهميتها، ويؤكد أن الباحث يتوجب عليه الإلمام بماهية هذه العملية ودورها في عمله، حتى مع إسناده إياها
إلى مدقق لغوي محترف يكون مسؤولًا مسؤولية كاملة عن التدقيق اللغوي لكل أجزاء البحث قبل إخراجه بصورته النهائية.
أسس التدقيق اللغوي
لا يقتصر دور المصحح اللغوي على تصحيح الأخطاء الإملائية أو تعديل التركيبات النحوية وحسب، بل يشمل التدقيق اللغوي ما هو أبعد من ذلك، ولذلك كان من أوائل وأهم أساسيات اختيار مصحح لغوي هو:
اختيار الشخص صاحب الملكة المعرفية في مجال تخصص البحث العملي محل العمل، حتى ولو بالنزر اليسير، لأن عملية التدقيق هذه تتعدى تعديل كل الأخطاء النحوية
وكل الأخطاء الإملائية إلى تركيب وتفكيك الجمل والتعبيرات والصياغات والسياقات على النحو الذي تصل معه الفكرة لعقل القارئ شافية كافية وافية.
من هنا ننتقل إلى الأساس الثاني في العملية، والمتمثل في التركيز والانتباه والعودة للباحث، حيث إن اختيار مصحح لغوي إنجليزي أو مصحح لغوي عربي يعتقد أن المطلوب منه يمكن إتمامه منفردًا؛ يعد اختيارًا خاطئًا من جهة الباحث، بل إن الانتباه الشديد والتركيز في كل كلمة وكل فكرة، ثم العودة للباحث فيما استشكل فهمه أساس لإخراج البحث على الصورة المرغوبة، وأساس في التأكد من أن القارئ النهائي للبحث لن يحتاج إلى إعادة السؤال على الأفكار ومقصدها كما فعل مصحح لغوي.
الأساس الثالث في عمل المصحح الاملائي هو قدرته على التأكد من صحة مصطلحات التخصص الواردة في البحث حسب مجاله، والتأكد من الصحة هنا يعني صحة الإملاء وصحة
الاستخدام في الموضع، ولهذا ذكرنا أنه من شروط الاختيار الجيد للمدقق اللغوي إلمامه ولو بالنزر اليسير بمجال تخصص البحث. أما الأساس الرابع؛ فيتمثل في أهمية قيام المدقق
اللغوي بقراءة متن البحث قراءة كاملة وهادئة عقب الانتهاء من جميع عمليات تدقيق إملائي ونحوي ولغوي، يقرؤه كما لو كان قارئًا عاديًا قد اشترى أو استعار الكتاب من أحد المكتبات
ومتاجر الكتب، لأن الانفصال عن دور المدقق اللغوي ولبس عباءة القارئ سيكشف الكثير من حسن أو سوء الصياغة والاسترسال في الأفكار والتتابع في المباحث.
مهارات القائم بأعمال تصحيح لغوي
إن كان ما سبق أساسيات إجرائية في كل تصحيح لغوي لأي رسالة عملية أو بحث أكاديمي؛ فما هي المعايير الواجب الاعتماد عليها عند اختيار الشخص الذي مهمته تصحيح لغوي للبحث
بمعنى آخر ما هي الشروط الواجبة التحقق فيه. هذه النقطة تحديدًا لا تكفيها الصفحات المطولة شرحًا وتوضيحًا، حيث إننا أمام معايير وشروط شخصية، وأخرى فنية وظيفية
ولكن بشكل عام؛ الباحث الكفء هو من يختار المدقق اللغوي الذي يتمتع بالإجادة والأمانة والنزاهة والشرف والخبرة الطويلة والسمعة الطيبة، هذا من الناحية الشخصية.
أما من الجوانب الفنية؛ فيجب أن يكون متخصصًا في العلوم اللغوية الخاصة بلغة البحث، وليس المقصود هنا علوم النحو والقواعد سواءً في اللغة العربية أو اللغة الإنجليزية، بل يمتد الأمر لعلوم
البلاغة والأدب، لأن الباحث لا يختار شخصًا يعمد إلى تصحيح إملائي عربي أو تصحيح إملائي إنجليزي فقط، بل هو كما يدقق أي أخطاء إملائية ويصححها، مسؤول عن وصول الأفكار الواردة
للقراء بأريحية ووضوح وبلا لف أو دوران وبلا إيجاز مخل ولا إطناب ممل. ثم إذا أضفنا أهليته المعرفية بمجال تخصص البحث العلمي - ولو أهلية بدائية - فإن الباحث سيضمن عدم خروجه عن
مضمون المعنى المراد توضيحه للقراء بحجة جمال الصياغة أو حسن البلاغة. هناك أيضًا شرط أو معيار واجب التوفر فيمن يقوم بعملية التصحيح الإملائي واللغوي، وهو معيار مشترك بين السمات
الشخصية والقدرات الفنية، ألا وهو القدرة على التنظيم والإجادة في التنسيق، فكم من مدقق لغوي برع في علوم اللغة، غير أنه عشوائي من حيث وقت العمل المستغرق، أو فاقد للقدرة على تنسيق الجمل والعبارات والفقرات تقديمًا وتأخيرًا.
تصحيح الاملاء عبر المواقع الإلكترونية
تصحيح الإملاء بواسطة المواقع الإلكترونية المتخصصة لا شك يلعب دورًا كبيرًا في هذه العملية في الوقت الراهن، وبخاصة بعد أن شهد التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي
مراحل مذهلة من التطور، ولهذا يمكن الاعتماد على مثل تلك المواقع والتطبيقات الإلكترونية، ولكن لمن؟!... للمتخصصين أيضًا. بمعنى؛ الباحث في غير مجالات وتخصصات
اللغة المكتوب بها البحث العلمي عليه الاستعانة بالشخص القادر والمحترف في تدقيق لغوي عربي أو تدقيق لغوي إنجليزي.. فرنسي.. ألماني.... إلخ، وهذا المدقق اللغوي المحترف
هو من يقوم بالاعتماد على تلك التطبيقات المتطورة اعتمادًا جزئيًا، لا يختفي معه دوره الإبداعي بالكلية. ولهذا؛ لا ينصح الخبراء والسادة الأكاديميون الأفاضل في الاتجاه بالكلية نحو
تلك البرامج من الباحث، حتى مع فوائدها في توفير الوقت والجهد والمال، لأنه ما زالت لعقلية العنصر البشري أهمية في الإبداع والابتكار لا تقدر عليها الآلة، وبخاصة مع أبحاث العلوم النظرية كالأدب والتاريخ والفنون... وغيرها.
مراحل العمل في التدقيق اللغوي
مما سبق نتفق على أن عملية التدقيق اللغوي عملية شاملة أكبر وأبعد من مجرد العمل على تصحيح إملائي عربي أو مع أي لغة، بل هي إعادة بناء كاملة لمحتوى ومضمون البحث العلمي بالشكل الذي يضمن سهولة وسرعة وصول ما فيه من أفكار وبيانات ومعلومات لكل من يقرؤه.
لأجل ذلك على من يقوم بعمليات تصحيح إملائي وتصحيح نحوي وتدقيق لغوي السير في كل تلك العمليات وفق خريطة مراحل متتابعة ومتوازية دقيقة التفاصيل، ونحن هنا أمام صورتين من العمل يختار الباحث إحداهما، الأول هو التدقيق اللغوي بالتزامن مع كتابة البحث، بمعنى أن الباحث يرسل الفصل الذي انتهى من كتابته إلى المدقق اللغوي للمراجعة والتصحيح، وهذه الصورة يفضلها البعض، وإن كان يشوبها عدد من السلبيات.
أما الصورة الثانية؛ فتتمثل إرسال البحث بالكامل للمدقق عقب الفراغ منه نهائيًا، وهي الصورة الأمثل. وبغض النظر عما هو متبع؛ فإن على المدقق اللغوي وضع خريطة زمنية للبداية والانتهاء من العمل، ثم العمل على تدقيق لغوي شامل لقسم كامل من البحث، فمن المعلوم أن الأبحاث عادةً تنقسم إلى أبواب ثم فصول ثم مباحث، فإن افتتح العمل في باب ما عليه الفراغ منه بكل ما يشمله من فصول ومباحث، وذلك لكي يلم بالفكرة المركزية للباب ويصوغها باسترسال متكامل واضح، وعقب الفراغ من عمليات تصحيح إملائي ونحوي وبلاغي للباب محل العمل عليه إعادة قراءته قراءة متأنية، ومن ثم يرسله للباحث لأخذ ملاحظاته والعمل عليها، من ذلك تتشكل مراحل عمل التدقيق اللغوي المتتابعة بحسب الجدول الزمني المعد سلفًا.